الحوار يقربنا من إنسانيتنا

 
2014-01-01 21:15:47

شكل الحوار، منذ أن استقرت المجتمعات البشرية، الوسيلة الحاسمة في إرساء قواعد التفاهم، فكان الطريقة الفضلى في تكريس السلام الاجتماعي، ناهيك عن مساهمته في إثراء المعارف وتطور التفكير.

يختلف الحوار عن النقاش من حيث أنه يمكن أن يفضي إلى حقيقة ما، لكن لم تكن لتجد طريقها إلى الواقع لولا إيجابية هذا الحوار، أما النقاش فإنه يمثل الصراع بين فكرتين متناقضتين ينتهي بالغاء إحداهما، أو قيامة الصراع بينهما..

من هنا تكمن أهمية الحوار على أساس أنه يمهد لتكامل فكرتين أو أكثر، والوصول إلى فكرة أخرى تتضمن الإيجابيات المختلفة، والتي تتآلف بعد اختلاف، وبالتالي تشكل أرضية التكامل وتضمن التطور وتقدّم طرائق التفكير.

وبالرجوع إلى بداية سيادة العقل البشري، إبان نشوء الفلسفة اليونانية، نجد الأب الشرعي لهذه الفلسفة وهو سقراط، يعتمد الحوار وسيلة إلى تعريف ناجمة للتعليم، ومقدمة لفهم الأفكار والوصول إلى تعريف القيم والمفاهيم المجردة وكذلك فعل أرسطو وغيره من الفلاسفة، وصولاً إلى تطور المباحث والحوارات في مراحل متأخرة لدى تشكل المدارس الفلسفية، وتشعب مباحثها.

ولا يمكن اعتبار نظرية الديالكتيك عند هيجل على أنها تتويج هذا الحوار الذي تحتمله نظريتان، والذي يؤدي إلى نشوء الفكرة الثالثة التي تضمن تطور الفكر وراء ارتقاءه، وتضع حداً للصراع والاختلاف.

وإذا كانت النظرية تشكل عصب تطور الفكر فإنها تجعل من الحوار عموده الفقري، وسُلّم ارتقائه، هكذا صار الحوار مقدمة أولى لإرساء قواعد الفلسفة وتبعاً لذلك فقد اكتسب منهجية منطقية حددت أصوله وضوابطه بحيث مهّد لوجوب الاعتراف بالآخر وعدم تجاهله وعدم أخذ أكاره بعين الاعتبار، لذلك يمكننا الاستنتاج بأن الحوار البناء والبعيد عن المناكفة والنقاش يقودنا، بالضرورة، إلى المناخ الديمقراطي في مجمل نواحي الحياة، بحيث يكون الحوار الهاديء والمنطقي طريقة حياة تتصل بكل نواحي المجتمعات، وينتج عنه التفاهم واللقاء حول القيم المرتبطة بالعدل والخير والسلام، لأنه يبعد المتحاورين عن الأنانية البغيضة، وعن تأثير الغرائز والميول الفردية، والتي غالباً ما تنحرف بالنقاش عن الموضوعية، ولكنه وبالحوار البناء والحضاري يمكن تحاوز هذه السلبيات وبلوغ الهدف الأسمى في مزيد من التكامل والسلام.

بناء على ما تقدم، فأننا مدعوون إلى اللجوء إلى الحوار، واعتماده نمط تفكير وأسلوب تعايش لأنه الطريقة الفضلى لإلغاء الحواجز النفسية التي غالباً ما تكون بالأساس من الصراعات بين الأفراد، وتعمل على الإقصاء والنبذ، بينما الحوار يقربنا من إنسانيتنا، ويأخذ بأيدينا إلى الطريق المفضي إلى الحقيقة، ويساعد أفكارنا على أن تنمو وتتطور بعيداً عن سلبيات التعارض والتناقض.