الإسلام لا يدعي امتلاك الحقيقة وحده رغم أنه يمتلكها

 
2010-10-08 17:25:29

الحضارة كما عرفها الشيخ فهد هي كالمدنية لا تتمّ ولا تتبلور إلا إذا توفرّ للجماعة البشرية المعينة ظروف حياة مؤاتية وتؤمَّن لها الأمن الغذائي والإستقرار السكني، وعدم الخوف والخشية من مصائب الآتي القريب، فإذا توفرّ لهـذا المجموعة من البشر وقت كاف للتفكير والتأمـل انصرفت إلى بناء "الحضارة" أي بناء المدنية مضاعفـاً إليها ذلك النتاج الفـكري والفني، والثقافي والعمراني الذي يجب أن يكون له علاقة وطيدة بالآلهة أو بالإله، وبالمباحث المجردة عن المادة ومستلزماتها.

مضيفاً: “أنه إذا جاز لنا أن نطلق أو أن ننسب كل حضارة إلى شعب معين، لم يكن من الجائز أن نعتبر أنّ هذه الشعب هو الذي يأخذ ويعطي منها ولها، حيث أنّها هي إنسانية بالدرجة الأولى... وإذا كانت قائمة في مكان معين فليست بالضرورة متقوقعة متلبدة رغم أن ذلك العامل في اليابان أو في أمريكا عمد على بناء أسرع قطار، لم يعد يتذكر معاناة مكتشف قوة البخار "جيمس واط" في بريطانيا، وذلك إلا لأن "جيمس واط" ما كان ليتذكر هو  الآخر ذلك البدائي الذي كان في مكان ما من العالم والذي استطاع أن يستعين بالصدفة ليستخرج من الأعشاب الجافة نارا ذات وقود... والأمر نفسه مع ذلك الفني الذي يبالغ في صياغة الكريستال البّراق في فرنسا، فهو لم يعد يذكر تلك المرأة الفنينيقية التي كانت تبالغ في تقوية النار في موقدها من الحجارة الرملية والتي لاحظت كيف تحولت هذه الحجار الرملية إلى شيء ثمين فيما بعد الزجاج في مدينة صور اللبنانية.

وعلى هذا الأساس فإن المهندسين في معامل السيارات في ديترويت، لم تعد ذاكرتهم ترى بعين التقدير إلى ذلك النجار البابلي على شؤاطئ الفرات في العراق، وهو يحسّ بالنشوة بعد أن أتم له الحظ السعيد تدوير أول دولاب خشبي لعربة الملك”.

وبالنظر إلى الوجه الآخر للقضية نظرة تاريخية عبر المقارنة بين الحضارات يعتبر الشيخ فهد: “أن بينما فعله العرب والمسلمون عندما تسنى لهم التقاط الأنفاس والتجمع حول مبدأ واضح بعد أن توفرت لهم عناصر القوة، وخرجوا على العالم بانفتاح لم يكن لهم نفس أهداف الاستعمار الاوروبي التي هدفت كما أسلفنا إلى أستغلال ونهب ثروات الشعوب واثارة الفتن والنعرات. فالعرب عندما جمعهم الإسلام امتلكوا أعظم نظرية إنسانية شكلوا حولها دولتهم "الثيوقراطية" التي أنشأها النبي محمد (ص) وهي دولة تتيح للإنسان أن يتحسس وجوده ويمارس حقوقه بحرية تامة هذه الدولة ديموقراطية إلى حدٍ ما ولكن قوانينها إلهية وعلى رأسها نبي الله وشرع الله كما قال "يوليوس قلهوزن" في كتابه تاريخ الدولة العربية..”

وأضاف الشيخ فهد "بعد سيطرة الدولة الإسلامية – العربية على قسم كبير من العالم  يمتد من أقاصي آسيا إلى بلاد الإفرنج واواسط أفريقيا أجمع المؤرخون على أن العالم لم يعرف فاتحاً أرحم من العرب، لأنهم لم يسعوا إلى تسويق بضائعهم الصناعية التي لم يكونوا يملكونها، ولم يكن لديهم الرغبة في حرمان الشعوب التي سيطروا عليها، فكان أن شجعوا اللامركزية الإدارية على صعيد إلا وصار عبر مقولة اسلامية: "تولّ أمر الخراج بما يصلح أهله".

ولمقاربة موضوع الحوار بين الأمم والشعوب كما يراه الإسلام بحسب الشيخ فهد "يمكن الانطلاق من وسطية هذه الدعوة ومن اعترافها بوجود الآخرين حيث أن الإسلام يدعو إلى الاعتدال كان لا بد أن يكون وسطاً بين قطبين متعارضين ودليلنا على ذلك  ما ورد في سورة البقرة "كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا.." آية 143.

فتكون الدعوة على هذا الاساس بعيدة عن إثارة الغرائز وإذكاء الحفائظ، لأن الأختلاف في الرأي ليس بالضرورة سبباً للعداء حتى في أقصى درجات التنافر في المبادئ والمرتكزات، وهل أدل على ذلك من الآية التي تدعو إلى إغاثة الملهوف وطالب الإجارة والأمان حتى ولو كان مشركاً مغرقا في إشراكه، والمشركون هم أعداء المسلمين، والاسلام كذلك هو حرب عليهم ولكن بعد إلقاء الحجة واستنفاد وسائل الأقناع المنطقية نظرا إلى مدى الرحمة والإنسانية ودليلنا أيضا ما ورد في كتاب الله تعالى في سورة التوبة "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ" آية 6.

ونظرا لاهمية الحوار كوسيلة اقناع وكسبيل إلى نشر الدعوة الاسلامية، قال الشيخ فهد: "فقد أعتمد الاسلام على توخي اللين والمهادئة طريقاً إلى قلب وعقل الخصم حتى ولو كان طاغية مستبدا كفرعون مصر مثلا فقد اعتمد القرءان الكريم ما أوصى به الخالق نبيه موسى وأخاه هارون، ونحن بدورنا كمسلمين نستخلص ثقافتنا من ديننا ونتعلم الثبات من ثبات أنبياء الله ورسله. طبعا لو يوجد في قواعد المتحاورين ما هو أدلّ على رقي الاسلوب الإسلامي في الحوار لكنا وصلنا إلى الحقيقة المرجو منها للعمل بموجبها، والحقيقة تتمثل بمفهومنا للحوار واهدافنا التي تتمثل في التقارب والتعارف والتلاقي ومنطق الحوار يتمثل أيضاً بشكل جوهري بنشر الدعوة الإسلامية".

ومع ذلك شدد الشيخ فهد "أن الإسلام لا يدّعي منذ البدء بامتلاك الحقيقة رغم أنه يمتلكها ومحافظا على حراراتها ومتفهما للآخر لأنه لو فعل غير ذلك لنفر المشركون وأعلنوا رفضهم للمنطق قبل مباشرة التحاور وفي هذا الاسلوب الراقي دليل على الثقة بالنفس والإطمئنان إلى سلامة الموقف والعقيدة. وهكذا يقيم الإسلام جسر التواصل مع الكتابين "التوارة والانجيل" أصحاب الرسلات السماوية معترفاً بمثُلهم وتعاليمهم - بحسب ما نتعلمه من كتاب الله جل جلاله-  متخذا لنفسه الإستمرار في تبني هذه التعاليم متمماً لمكارم الأخلاق، لكنه في المقابل لم يكتف بالموعظة والتسامح ودفع السيئة بالحسنة بل شَهر سيف إقامة الحدود على المعنين بالعصيان والمجاهرين بالكفر، فقد كرس الفضائل وسنَّ القوانين، وأسس لدولة عادلة تحكم أهل الأرض بموجب قوانين السماء.. "

وقال الشيخ فهد: "هذا الدين الذي بدأ في جزيرة غريبا، والذي حاربة الجميع من الطواغيب ولكنه وبتأييد من الله واحتراز من المؤمنين استطاع أن يبسط عباءته على نصف المعمورة وأن يقيم بناء فكرياً عميق الفور بعيد الدلالة وأن يؤسس لحضارة إنسانية امتازت بشموليتها وسعة مداركها، استوعبت الحضارة اليونانية فاخذت عنها طرائق التفكير ثم أقامت على انقاض الحضارة الساسانية انموذجاً راقيا يدعو إلى التفكير وإعمال العقل وتشجيع العلوم التي يضرُّ الجهل بها، فكان الحث على طلب فريضة على كل مسلم والتصدي للمسائل الكونية والبحث عن اسرارها واجب مقدس على عكس مقولة الامبراطورية الرومانية التي كانت تزعم أنها تمثل الحضارة المسيحية والتي كانت تنادي وتأمر: "اعتقد واطفيء مصباح العقل".