نقطة غيرت كل شيء

 
2013-11-19 21:13:31

كلمتان هما يجمعهما جناس لغوي بحيث تلتقيان لفظاً وكتابة، إنها العرب والغرب، إنها خصوصية من خصوصيات اللغة العربية؛ بحيث أن نقطة وُضعت على حرف غيّرت المعنى ونصبت حدوداً عالية، ومهّدت لفهم جديد، ولغة مختلفة وحددت عالمين اتفقا لغةً واختلفا بعد ذلك بكل شيء؛

إنها عالم العرب وعالم الغرب؛ عالمان تقاربا في الموقع وتباعدا في الجغرافيا فصار واحد منهما في شمال الدنيا وصار الآخر في جنوبها، ثم ما لبثا حتى انتمى الأول لعالم الأغنياء وانتمى الثاني إلى دنيا الفقراء والمحتاجين..

وأشد ما يكون الإستغراب واضحاً وجليّاً، عندما تشكل هذه النقطة التي وضعت فوق حرف، علامة مميزة تشير إلى فوارق بعيدة الغور وعظيمة الأثر في تكوين هذين العالمين في طبيعتهما وأنماط سلوكهما، فافترقا أيَّما افتراق، حتى إنّ هذا التباين تكرّس بعد الثورة الصناعية في أوروبا، وبعد موجات الاستعمار التي طالت جميع البلاد العربية، فكانت هذه البلاد محط الأطماع باعتبارها أسواقاً استهلاكية، وخزّاناً غنياً بالمواد الأولية ولاسيّما الطاقة التي تمثل عصب الصناعة والعمود الفقري للمدنية منذ نهايات القرن الثامن عشر وحتى الآن، وبالرغم أن رقعة الاستعمار قد انحسرت، فإن هذه الأطماع قد اتخذت أشكالاً أخرى لأن آثار الاستعمار، وكما يقول إبن خلدون ستترسخ في أنماط حياة وأنماط التفكير في البلدان المستعمَرَة  ستتأثر بالدول المستعمِرة  شكلاً ومضموناً ورغم هذا التأثر والتأثير فقد ظلّ التباين والخلاف واضحين، وظل الغرب يضمر العداء والكراهية للعرب مستنداً إلى نوع من التمييز العنصري ضدهم وفي مواجهة قضاياهم.

وقد عملت دوائر عالمية معينة، على تكريس هذه الكراهية وهذه العنصرية ضد العرب بحيث انتجت ابواقها الدعائية قوالب نمطية وراحت تبثها عبر المراكز الإعلامية المتعددة حتى رسخت في أذهان الشعوب الغربية صورة العربي على أنه إنسان انفعالي كسول، وهو مرتبط بالتخلف، ومجتمعاتهم مرتبطة بالمرض والفقر.

وحتى يكرس الغرب هذا الواقع عملوا على أن يظل العالم العربي مجتمعاً استهلاكياً بعيداً عن الإنتاج والصناعة المتطورة..

وفي المحصلة العامّه استغل الاستعمار الغربي؛ قديمه وحديثه، استغل النقاط الضعيفة والخاصرات الرخوة لدى العرب وراح يحثّ على التفرقة بين الدول والشعوب، مكرّساً الجهل الذي هو وراء كل الصراعات بين الشعوب العربية مضافاً إليها أمراض الطائفية البغيضة التي تمثل أفدح الأخطار على مستقبل العرب وتقف حائلاً ضد تطورهم وسلام مجتمعاتهم.

لذلك تبدو الحاجة إلى يقظة العرب والعودة إلى تراثهم، والتخلي عن استعارة ما لغيرهم، واحياء قِيمهم التي اتاحت لهم امتلاك ناصية الدنيا في يومٍ من الأيام.