كان يا ما كان باﻷمس القريب في هذا الزمان، وطن عربي واسع يعيش به من أوله ﻵخره أروع إنسان ..فجأة صار الوطن أوطان ، واﻹنسان فقد ذاكرته وعاد الى عصر اﻷوثان.. وضاع الحب واﻷمن واﻷمل واﻷمان .. والدهشة هيأت حقائبها لتغادر ..وكان يا ما كان ..
كنا يوما ما أمّة واحدة ..متكاتفة متحاببة متجانسة ...
أمة حالمة كعنقودٍ متماسك ، أمة حاضرة بقوة على جسد الخارطة العربية، ولها كلمتها وفكرتها وحكمتها فوق صفحة العز الكونية .. أمة حاملة للفكر الذي ينقذ شعوبا كاملة من أنياب الغياب .. أمة عاقلة عارفة متعلمة أساس وجودها تاريخها وثقافتها وسبب بقائها طموحاتها وحضاراتها .... نستمد قوتنا ووجودنا من دالية واحدة، دالية جذورها مسافرة في اﻷرض ، وشامخة بأملها نحو فضاء الفضاء ، مستلقية بإطمئنان على اكتاف الكرامة والعنفوان .
حتى هبّت فينا فكرة الحقد ، وفرقتنا رياح البغض والخوف والغيرة ،فصدّقنا كل ما قيل لنا من فتن عنّا ، فتشتّتنا لنصبح أمما أُمّية تحوم فوق أحلامنا النسور الجياع، وتلاحق صغار افكارنا وأحلامنا الضباع ، أمما مفكّكة ضعيفة مُحطمة لا تستحق حتى ان تنال شرف البقاء في هذه الحياة ،
وها نحن قد اعتدنا موتنا وغيابنا وتغييبنا ،
نتأرجح بين التصديق والتكذيب ، بين ما نرى وما نعلم ، بين ما نسمع وما نفهم ، بين ما نقول وما نريد .
بتنا نحن يجرنا الى حيث لا نعرف أيضا نحن .....!!!
والدهشة كعادتها فراشة لا موسمية ، ترقص وتقفز وتتنقل بين تجعدات وجوهنا ، مَن سيخفف عنّي رهبة المشهد ليأخذ نصف الدهشة ، ويمحي من ذاكرتي تلك الحروب التي احترقت بها قلوب وأجساد اﻵلاف من مجتمعي المظلومين ..
مَن يعرف كيف يجمعنا ويؤلّف بين قلوبنا ، من يطقن الحفر فوق صوّان قبورنا، ليمسح على كل الذين ماتوا بالخطأ فيوقظ بداخلنا نجمة اﻷمل البعيدة ، ويعود بهم الى نقطة اﻷمل اﻷولى ..من يستطيع ان يزرع زهرة التسامح فوق صخرتنا العنيدة ، حتى إذا ما أينعت يوما أرسلت أريجها إلى نفوسنا فترتاح ونعود بصهوة جيادنا حتى العالم كله بصفاء نفوسنا نجتاح ... مَن يملك مفتاح وحدتنا ليجمعنا ،من يملك طلقة يبيد بها تخلفنا .. ونحن خير أمة أرادنا الله فصرنا أشرّها وأشقاها ...
أنا حقاً لا أعرف كيف بملاييننا وحّدْنا الله ، وبتنا متفرقين متناحرين متقاتلين كارهين حاقدين ولسفك الدماء دائما حاضرين ..والدهشة تتأرجح فوق وجوهنا ،تحتلنا تسكننا تجتاحنا مع كل مشهد جديد ..وهكذا يطل السؤال من جديد ، سؤال كنا قد زرعناه في همسات اﻷمس ..ماذا لو انقرضت الدهشة ..ماذا سيكون ..كيف سنلون صفحات وجوهنا .. ومن منا سيعرف كيف تتماهى رائحة الدم مع رائحة قهوتنا الصباحية حين تسيقظ الشمس بلا دهشتنا التي اعتدناها ..دهشتنا التي لطالما قالت بصراخها الصامت ألف سؤال وسؤال ...
بتنا حقا وكأننا نحتاج للمسة عابرة من رحمة الله ..تعيد إلينا وحدتنا وأخوَّتنا ومحبتنا التي أضعناها في ظلام حالك .
أعوذ بك يا رب دائما ، من شر الشيطان الرجيم ..
من شر اﻹنسان اللئيم ..
إرحمنا برحمتك الواسعة يا أرحم الراحمين .